بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
وبعد: فقد سعدت بالتعرف على الدكتور السيد/ ذي الفقار علي شاه في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، لسنوات عدة، وبالتدريس له والإشراف على عمله طالبًا وباحثًا، ولكني عرفته يحسن البحث والتفكير في المجالات الاعتقادية والفلسفية، والذي زادني سعادة أني حين اطلعت على بحثه الفقهي في مسألة “الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان” وجدته ـ بحمد الله ـ يملك كفاءة البحث في المجال الفقهي بنفس القدر؛ إذ تصدى ـ بتوفيق الله ـ لهذه المسألة الدقيقة الشائكة، التي تفاوتت فيها آراء المشتغلين بالفقه الإسلامي قديمًا وحديثًا، واستطاع في قوة ووضوح، من خلال مناقشة الأدلة الفقهية، والقواعد الأصولية وتطبيقها على هذه المسألة، التي يعاني منها الكثير من المسلمين في الجاليات الإسلامية، بل وفي داخل العالم الإسلامي، في موضوعية ونزاهة، أن يخلص إلى الرأي الذي عرضه في هذا البحث “أن الرؤية البصرية بالعين الإنسانية المجردة ليست هي الطريقة الوحيدة المعتمد عليها شرعيًّا لإثبات الشهر، وليست هي بذاتها مفروضة وحدها لتحديد دخول شهر رمضان، وأن هناك كثيرين من فقهاء المذاهب المختلفة، ومنهم من بلغ رتبة الاجتهاد، أجازوا استخدام الحسابات الفلكية في إثبات شهر رمضان في حال عدم وضوح الرؤية البصرية أو عدم إمكانها، وأن الخطاب الشرعي في هذا الصدد لا يعني الاعتماد على الرؤية البصرية وحدها في إثبات الشهر، بل يفيد في وضوح أن الحساب حق، وأنه يمكن بل ينبغي الاعتماد عليه شرعيًّا عند الحاجة؛ لقطعيته في حين أن الرؤية ظنية”، وأن هذا الرأي يتأكد الأخذية الآن ـ وإن لم يكن جديدًا بل روي عن فقهاء التابعين ـ بالنظر إلى ما بلغته الدراسات الفلكية من دقة وتقدم، بحيث يمكن تحديد مواقيت الواجبات الشرعية، ومنها بداية الصوم ونهايته في رمضان المبارك، سنوات قادمة بإذن الله في دقة واطمئنان علمي.
وأشهد أنني كنت ممن يتوقفون في هذه المسألة، وكنت أجد الاطمئنان إلى ما تأخذ به “دار الإفتاء المصرية” من الاعتماد على الرؤية والحساب معًا في إثبات بداية شهر الصوم ونهايته، لكنني بعد الاطلاع على هذا البحث، والتأمل فيما ساقه من أدلة، وما احتواه من مناقشات، صرت أطمئن إلى الأخذ بالحساب الفلكي وحده عند الحاجة، وبخاصة خارج العالم العربي الذي يمتاز عادة بصفاء الجو وسهولة الرؤية، وما أحرى الفقهاء والمتفقهين ومجامعهم العلمية أن يُنهوا الخلاف حول هذه المسألة، التي يوجاز الخلاف فيها قديمًا حين كانت التفرقة بين الفلكيين والمنجمين (Astronomers and Astrologers) غير واضحة للكافة، أما الآن وبعد التقدم العلمي المعاصر في مجال العلوم الفلكية على نحو لم يدع لأحد، وخاصة المشتغلين بالفقه، مجالاً للتشكك في طبيعتها العلمية وما انتهت إليه من نتائج وتطبيقات، فقد أصبح من مقتضيات هذا التقدم العلمي ومن الحاجة الماسّة للجاليات الإسلامية في أنحاء العالم أن يتفضل كبار العلماء وهيئات المجامع العلمية الشرعية بالانتهاء إلى رأي يجرى عليه العمل، وإن جاز لأفراد العلماء أن يقولوا ما يبدو لهم من رأيٍ لدواع تخصهم أو لأنهم لم يقتنعوا بعد بنتائج العلم الفلكي وتطبيقاته.
وعلى أية حال فإن السيد ذا الفقار قد قال كلمته وأيدها بالأدلة الفقهية المقنعة.
وأود في ختام هذه الكلمة الموجزة التي اقتضتها ظروف النشر ـ وإن كنت أعتقد أنه من الحق عليّ إعداد دراسة أوفى لهذا العمل العلمي الجدير بالحفاوة ـ أن أحيي اللغة الجميلة الواضحة التي كتب بها البحث، وأن أحث زميلي وأخي ـ وتلميذي سابقًا ـ على مزيد من الخدمات العلمية والعملية للمجتمعات الإسلامية في الأمريكتين، داعيًّا له بالقبول والتوفيق، وبالتأييد والنصرة، وبمباركة جهوده العلمية، خاصة التي هي في الوقت نفسه خدمة لجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين،،
حسن الشافعي
أستاذ بكلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة
وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
16/6/1430هـ
9/6/2009م
مصر ـ الجيزة ـ الدقي، شارع السطولي،
عمارة 13 ـ دور 9 ـ شقة 3